لماذا لم تتحمل الدولة العباسية عصرها الثاني

لماذا لم تتحمل الدولة العباسية عصرها الثاني؟ يعد العصر العباسي الثاني، الذي امتد من أواخر القرن التاسع الميلادي، واستمر حتى منتصف القرن الحادي عشر فترة حاسمة مفعمة بالتغيرات في تاريخ الدولة العباسية، والذي جاء بعد العصر العباسي الأول، والذي شهد ازدهار ثقافي واقتصادي، فعلى الرغم من أن الخلفاء العباسيين في هذا العصر احتفظوا بلقبهم، إلا أنهم فقدوا الكثير من قوتهم السياسية والسلطوية، مما أدى إلى حالات من الفوضى والارتباك.
لماذا لم تتحمل الدولة العباسية عصرها الثاني
سنتناول العوامل الكامنة وراء سقوط الدولة العباسية الثانية، والتي تتلخص في النقاط التالية:
تعدد خلافات الأمة الإسلامية
شهدت الأمة الإسلامية خلال الدولة العباسية انقسام كبير، وذلك بسبب نشوب عدد من الخلافات، والتي أثرت بالسلب على الوحدة الإسلامية، وقد أوضحت هذه الخلافات مدى التأثير السلبي للانقسامات السياسية والدينية في حدوث تفكك الهوية الإسلامية المشتركة، وعانت الأمة الإسلامية من عدم الاستقرار السياسي والنزاعات الداخلية، الأمر الذي أضعف كثيرًا من من قدرتها على مواجهة كافة التحديات الخارجية، مثل الغزوات الصليبية، والهجمات المغولية.
نظام الحكم وتولية العهد
يعتبر خلفاء العصر العباسي الثاني حكام شرعيين، ويرجع ذلك إلى نسبهم من العم العباس بن عبد المطلب، عم النبي محمد، وقد تعرض، وأثار هذا الأمر نزاعات على السلطة، بسبب تنافس الأبناء على الحق في الخلافة، وقد أدت مشاكل العائلة إلى انقسامات شديدة بين مختلف الفصائل المختلفة، وقد استغل الأعداء هذا النزاع لخلق الفتنة واشعالها.
اتساع رقعة الدولة الإسلامية
فقد امتدت الدولة الإسلامية من الصين شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، الأمر الذي جعلها واحدة من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ، ومع هذا الاتساع صار من الصعب على جميع الخلفاء العباسيين السيطرة على كافة المناطق النائية، حيث يتطلب ذلك نظام سياسي أكثر قوة وأكثر كفاءة، وقد أدى ذلك إلى ظهور بعض الحركات الانفصالية في عدد من الولايات، مثل الأدارسة في المغرب، التي استغلت ضعف المركز في العاصمة بغداد.
دخول كيانات جديدة إلى الدولة الإسلامية
وعلى الأخص الكيانات الفارسية والتركية التي كان لها دور بارز في إضعاف الدولة العباسية، والتي أدخلت ثقافات وعادات جديدة، مثل النظام الإداري الفارسي الذي أثر على أجهزة الدولة العباسية بشكل كبير، فقد أصبحت الشخصيات الفارسية تحتل مناصب رفيعة عديدة في الإدارة والجيش، وأضعف هذا الأمر مركزية الحكم، هذا إلى جانب دخول الأتراك كقوة عسكرية الذي غير كثيرًا من التوازنات في السلطة، فقد استخدم الخلفاء العباسيون الأتراك كجنود مرتزقة في البداية، لكن سريعًا ما تحولوا إلى قوة عظيمة مسيطرة، حيث تمكن الأتراك من تشكيل كيانات سياسية مستقلة، كالسلاجقة.
انفصال الكثير من الأقاليم عن الدولة العباسية ساعد على
لقد انسلخ بعض الولايات عن الدولة العباسية كنتاج طبيعي للعديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الخلافة العباسية في أواخر عصرها، مثل:
- التدهور السياسي، فقد انشغل الخلفاء العباسيين بالحياة الشخصية والملذات عن شئون الدولة، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تفكك السلطة.
- الفتن الداخلية، التي تعددت كثيرًا وساهمت في إضعاف الدولة.
- تداخل الخلافات السياسية مع الفتن الطائفية والقبلية جعل السلطة العباسية في موقف صعب لتجاوز التحديات.
- البويهيين، والحمدانيين، الإخشيديون.
- التفكك الإداري، فقد بدأ الولاة والحكام المحليون في اتخاذ قرارات مستقلة، وأفقد ذلك السلطة العباسية هيبتها ونفوذها في مختلف الأقاليم.
- تفويض السلطات، حيث لم يتمكن الخلفاء من السيطرة الفعالة على زمام الأمور، ومن ثم اعتمدوا على الولاة بشكل جعلهم في بعض الأحيان يتمتعون باستقلالية شبه كاملة.

الفرق بين العصر العباسي الأول والثاني
سنتعرف على الفروقات التي توجد بين العصر العباسي الأول والعصر العباسي الثاني، والتي تعكس التحولات الكبيرة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الدولة العباسية، والتي جاءت على النحو التالي:
السلطة السياسية
تميز العصر العباسي الأول بقوة الخلافة تحت قيادة خلفاء مثل أبو جعفر المنصور والمأمون، فقد كانت السلطة مركزة بيد الخلفاء، وقد كانوا يمتازون بالبراعة السياسية وقوة الشخصية، الأمر الذي ساعدهم كثيرًا في الحفاظ على استقرار الحكم، أما العصر العباسي الثاني فقد شهد هذا تراجع كبير في القوة المركزية، حيث بدأت السلطة تتلاشى، من حيث مواجهة الولاة المحليين والقوى الإقليمية.
الأحزاب السياسية
لقد استطاع العصر العباسي الأول تحقيق شكل من التوازن بين الأحزاب السياسية المختلفة، مثل الشيعة والعباسيين والخراسانيين، وقد أعطى ذلك انطباع جيد عن وحدة الدولة، أما عن العصر العباسي الثاني فقد تفاقمت كثيرًا الانقسامات الحزبية وظهرت قوى محلية، وزاد ذلك كثيرًا من الاستقطاب السياسي بين مختلف المجموعات.
الاستقرار الاقتصادي
حققت الدولة خلال العصر العباسي الأول ازدهار اقتصادي، من حيث التوسعات التجارية والزراعية في مختلف المناطق، وعزز ذلك كثيرَا من موارد الدولة، أما عن العصر العباسي الثاني فقد واجهت الدولة أزمات اقتصادية كنتاج طبيعي للفوضى السياسية والنزعات المستمرة، وقد أثر ذلك بصورة كبيرة على مستوى الحياة العامة وأثر بالسلب على هيبة الدولة.