يعد الفنان الشهير “عبد الفتاح القصري” من أبرز فناني الكوميديا في “عصر الفن الجميل”، حيث نجح في جذب حب وإعجاب الجماهير من خلال أداء أدوار مختلفة كـ المعلم وابن البلد والفتوة. تميزت أعماله بأفشات مشهورة لا تزال تتداول حتى اليوم، وسيبقى دوره في فيلم “المعلم حنفي” وعبارته الشهيرة “أنا كلمتي لا يمكن تنزل الأرض أبدا” في أذهان الجمهور.
كما اتسم بأداء متميز في فيلم “ابن حميديو” مع الفنان الكبير “إسماعيل ياسين” الذي عمل معه في العديد من الأفلام السينمائية الكوميدية. ولد في 15 أبريل 1965 في أسرة ثرية، حيث كان والده يعمل في تجارة الذهب. درس في مدرسة فرنسية، ولكن لم يكن أميا كما يشاع، بل كان مثقفا. بسبب شغفه بالتمثيل، انضم إلى فرقة عبد الرحمن رشدي، ثم انتقل إلى فرقة نجيب الريحاني، وأخيرا انضم إلى فرقة إسماعيل ياسين.
حب عبد الفتاح القصري للتمثيل
كان حبه للفن هو السبب في النزاعات مع والده، الذي هدده بحرمانه من حصة الميراث إذا لم يتوقف عن التمثيل. لم يكترث القصري وتخلّى عن ميراث والده بسبب شغفه بالتمثيل، ورغم عدم تمثيل دور بطولة قط، إلا أنه كان يلعب دور صديق البطل. تحوّلت حياته إلى مأساة بعد أن كان يبثّ الفرح على الشاشة والمسرح، وتحول من الكوميديا إلى الدراما الحقيقية أثناء تمثيله مع فرقة إسماعيل ياسين.
بداية مأساة القصري
عندما خرج إسماعيل ياسين أمام الجمهور على مسرح العرض، فاجأه فجأة العمى وغطى الظلام وجهه. بدأ يتلمس الديكور ويصرخ بأنه لا يستطيع رؤية شيئًا، مما جعل الجمهور يعتقد أنه يمثل ويستمر في الضحك والتصفيق. ولكن مع تصاعد الصراخات، أدرك إسماعيل ياسين أن الأمر حقيقي، واقتاده بيد إلى الكواليس حيث انهار من البكاء. تم نقله إلى المستشفى، حيث اكتشف الأطباء أن سبب فقدانه للبصر كان ارتفاع نسبة السكر في دمه. بعد مرور ثلاثة أشهر، استعاد إسماعيل ياسين جزءًا من بصره.
وقع في حالة صدمة أخرى أكثر قسوة عندما تنكرت له زوجته الرابعة، التي كانت أصغر منه بسنوات عديدة، وأجبرته على طلاقها وتوقيع تنازل على كل ممتلكاته. ثم تزوجت من صبى البقال الذي كان يُعامله باعتباره ولده لمدة 15 عامًا. أصيب بالاكتئاب، وأصبح رفضًا للحياة، ولم يستطع التحرك عندما رأى زوجته السابقة وزوجها الجديد يسكنان في نفس الشقة التي كانت تملكها. فقد عقله ودخل في حالة هذيان، واستغلته زوجته السابقة واحتجزته في المنزل بعد استغلالها مرضه.
احتاج الفنان الراحل إلى كرسي متحرك لكنه لم يستطع شرائه بسبب ضيق الحال، بينما كان يعيش سابقًا حياة فاخرة وينفق بكرم على نفسه، لكنه بعد الإصابة لم يجد سبيلا للعلاج. تمكن من الحصول على معاش من نقابة الممثلين ليشتري الدواء اللازم. لم يزُره أحد من زملائه الفنانين إلا الممثلتان “ماري منيب” و”نجوى سالم”، ولكن لم تتوقف معاناته هنا، فقد هدمت البلدية منزله بعد خروجه من المستشفى، مما أدى إلى تفاقم حالته النفسية. اضطر طليقته لإرساله ليعيش مع شقيقته في غرفة بدروم تحت “بير السلم”، وكانت نهاية مأساته المؤلمة.
أيام القصري الأخيرة
تعرض لتصلب الشرايين بسبب الفقر والبرد والإهمال، مما تسبب في تلف مخه وفقدان ذاكرته. كانت شقيقته تعمل ببيع أكياس الشاي والسكر لتجنب نقص الدواء والطعام. كان يشعر بالجوع بشدة حتى ينظر من شباك منزله الفقير إلى الشارع، وإذا سمع أو شاهد طفلًا يتوسله للحصول على ساندويتش ويتسلمه له.
وفاة القصري
في يوم 8 مارس 1964، توفي الفنان العبقري عبد الفتاح القصري في مستشفى “المبرة” عن عمر يناهز 59 عامًا. لم تكن شقيقته حاضرة بجنازته، فقط كانت هناك نجوى سالم وصديقين له وهما “قدري” منجّد و “سعيد” عسكري في الشرطة. أثناء ذهابهم إلى مقبرة “باب النصر”، توقفت السيارة ليلتقط رجلين آخرين يعرفان بـ “حلاق وترزي” ليحملوا جثمان القصري ويشيعوه إلى مثواه الأخير.